التفرقة بين استتار النبيّ والإمام في أداء المهمّة والحاجة إليه

فإن قيل: النبيُّ (صلىّ الله عليه وأله)(70) ما استتر عن قومه إلاّ‍ بعد أدائه إليهم ما وجب أداؤه، ولم تتعلّق بهم إليه حاجة، وقولكم في الإمام بخلاف ذلك.
ولأنّ استتاره (صلىّ الله عليه وآله)(71) ما تطاول ولا تمادى، واستتار إمامكم قد مضت عليه العصور وانقضت دونه الدهور!
قلنا: ليس الأمر على ما ذكرتم؛ لأنّ النبيّ صلىّ الله عليه وآله إنّما استتر في الشِعْب والغار بمكّة، وقبل(72) الهجرة، وما كان أدّى (صلىّ الله عليه وآله)(73) جميع الشريعة، فإن أكثر الأحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف ادّعيتم أنّه كان بعد الأداء؟!
ولو كان الأمر على ما زعمتم من تكامل الأداء قبل الاستتار: لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلى تدبيره عليه السلام، وسياسته، وأمره(74) في أمّته ونهيه.
ومَنْ هذا الذي يقول: إنّ النبي (صلىّ الله عليه وآله)(75) بعد أداء
____________
(70) في «أ»: عليه وآله السلام.
(71) في «أ» و «ب»: عليه السلام.
(72) في «ب»: قبل.
(73) في «أ» و «ب»: عليه السلام.
(74) في «أ»: أوامره.
(75) في «أ»: عليه السلام.


(54)

الشرع غير محتاج إليه، ولا مفتقَر إلى تدبيره، إلاّ معاندٌ مكابر؟!
وإذا جاز استتاره عليه السلام - مع تعلّق الحاجة إليه - لخوف الضرر، وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلى التغيب، سقطت عه اللائمة، وتوجهت إلى مَنْ أحوجه إلى الاستتار وألجأه إلى التغيب.
وكذلك القول في غيبة إمام غَيْبة إمام الزمان عليه السلام.

التفرقة بينهما في طول الغَيْبة وقصرها

فأمّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة:
لأنّه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع وبين الممتدّ المتمادي؛ لأنّه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أُحْوِجَ إليه(76): جاز أن يتطاول سبب الاستتار، كما جاز أن يقصر زمانه.

لَم لَم يستتر الأئمة السابقون عليهم السلام

فإن قيل: إنْ ان الخوف أحوجه إلى الاستتار، فقد كان آباؤه عندكم في تقيّة وخوف من أعدائهم، فكيف لم يستتروا؟!
قلنا: ما كان على آبائه عليهم السلام خوفٌ من إعدائهم، مع لزومهم التقيّة، والعدول عن التظاهر بالإمامة، ونفيها عن نفوسهم(77).
____________
(76) في «الغيبة» للطوسي - ص 92 ـ هنا زيادة: بل اللائمة على من أحوجه إليها.
(77) جاء في هامش «ج» هنا ما نصّه: لي هنا نظر.


(55)

وإمام الزمان كلّ الخوف عليه؛ لأنّه يظهر بالسيف ويدعو إلى نفسه(78) ويجاهد مَنْ خالف عليه.
فأيُّ نسبة بين خوفه من الأعداء، وخوف آبائه عليهم السلام منهم، لولا قلّة التأمّل؟!
____________
(78) جاء في هامش «ج» هنا ما نصّه:
توضيحه: أنّ إمام الزمان مكلّف بإظهار الحقّ وقتل مخالفيه، ولا يكون ذلك إلاّ بالسيف، بخلاف آبائه عليهم السلام، فإنّهم لم يكونوا بهذه المثابة من التكليف، والله أعلم.

العودة للصفحة الرئيسية