هل تكليف الوليّ بالنظر، هو بما لا يطاق؟
وليس لأحد أن يقول: هذا تكليف ما لا يطاق، وحوالة على غيب
لا يُدرَك؛ لأنّ هذا الوليّ ليس يعرف ما قصّر فيه بعينه من النظر
والاستدلال، فيستدركه، حتى يتمهّد في نفسه ويتقرّر، ونراكم تلزمونه على
ما لا يلزمه؟!
[ والجواب عن هذا الاعتراض:]
أنّ ما يلزم في التكليف قد يتميّز وينفرد، وقد يشتبه بغيره ويختلط
ـ وإنْ كان التمكّن من الأمرين حاصلاً ثابتاً ـ فالوليّ على هذا إذا حاسب
نفسه ورأى إمامه لا يظهر له، واعتقد(103) أن يكون السبب في الغَيْبة ما
ذكرناه من الوجوه الباطلة (وأجناسها: علم أنّه لا بُدّ من سبب يرجع
إليه)(104).
وإذا رأى أنّ أقوى الأسباب ما ذكرناه: علم أنّ تقصيراً واقعاً من
____________
(104) ما بين القوسين سقط من «أ».
(68)
جهته في صفات المعجز وشروطه، فعليه ـ حينئذٍ ـ معاودة النظر في ذلك،
وتخليصه من الشوائب، وتصفيته ممّا يقتضي الشبهة ويوجب الالتباس.
فإنّه متى اجتهد في ذلك حقّ الاجتهاد، ووفىّ النظر نصيبه غير
مبخوس ولا منقوص: فلا بُدّ له من وقوع العلم بالفراق بين الحقّ والباطل.
وإذا وقع العلم بذلك: فلا بُدّ من زوال سبب الغَيْبة عن الوليّ.
وهذه المواضع: الإنسان فيها على نفسه بصيرة، وليس يمكن أن
يؤمر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد والبحث والفحص والاستسلام
للحقّ.